مازال هناك خلط بين (النحّات) و(المثّال) فكثيراً مايطلق على أي قطعة نحت (تمثال) وإن كانت كلمة (النحت) في اللغة قديمة إلا أن استعمالها عنواناً لهذا الفن هو استعمال حديث . وفي الأصل نجد للكلمة في اللغة العربية عدة معانٍ مختلفة أقربها لهذا المجال هو الحفر في المادة الصلبة لإعطائها شكلاً مرغوباً فيه لأداة وظيفة ما ’ فنحت القلم تعني براه , ونحت النجار الخشب تعني نجره ليصنع منه مايريد , وفي القرآن الكريم (( وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين))
ولم تظهر كلمة النحت مرتبطة بصناعة التماثيل إلا في المعاجم الحديثة ومن الطريف أن اسم النحّات المشهور (دوناتللو) بكل ماناله من إعجاب واحترام ظهر بعد موته في وثيقة في عصر النهضة مقروناً بصفة "قاطع الأحجار" فلم تكن كلمة نحات كفنان قد تحددت معالمها بعد .. ولا اكتسبت احتراماً يرقى بها عن كلمة حجّار , حتى إن مايكل أنجلو عندما أعرب لوالده عن رغبته في أن يصبح نحّاتاً ثار الوالد , ورفض أن يدع ابنه يصبح (قاطع أحجار) ولم يغير رأيه إلا بتدخل لورنزو العظيم الذي أقنعه بأن هناك فرقاً كبيراً بين فن النحت ومجرد قطع الأحجار كان هذا في الثمانينات من القرن الخامس عشر الميلادي
وقد نجح مايكل أنجلو وبعض معاصريه من النحاتين في توضيح مالفني النحت والتصوير من جذور نظرية تفرق بينهما من جهة وبين مجرد المهارة التي تكمن وراء العمل اليدوي من جهة أخرى .. ولمايكل أنجلو أبيات شعرية كتبها في حوالي 1528م يصف فيها مطرقته القادرة على تشكيل الأحجار الصلبة على شبه الإنسان يقول :
" إن مطرقتي العنيفة لتشكل الأحجار
الصلبة على شبه إنسان
آناً هذا وآناً ذاك
وتستمد حركتها من الراهب
الذي يوجهها
ويراقبها ويمسك بها "
كانت تماثيل مايكل أنجلو على هيئات بشرية تحمل تعبيرات قويّة , معظمها حول موضوعات دينية تثير التعاطف الشديد لدى المشاهد ..
ولفترة طويلة ظل النحاتون يقتفون أثر مايكل أنجلوا بحثاً عن موضوعات من القصص الديني , كما بحثوا عن موضوعات من الأساطير الأغريقية وقد نجح بعضهم في تمثيل الجسم البشري وفي التكوين , وفشل في نقل التعبير .. حتى جاء النحّات الإيطالي جيان لورينزو (1598- 1680) ليخلص النحت من الأثر الباقي لمايكل أنجلو .. فحوّل النحت لموضوعات لم يكن يصلح لتناولها غير التصوير , وذلك بإدخال عناصر كثيرة في العمل الواحد مثل خيوط الأشعة والسحاب .
ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي تحوّل النحت إلى الكلاسيكية الجديدة فعاد الاهتمام بالكتلة الرصينة والتكوين النحتي الذي تخلى عن خصائص التصوير .. وتركز الاهتمام على الإنسان وحده كمحور لهذا الأسلوب .. كان هذا الأسلوب مناسباً تماماً لرغبة المواطنين في إقامة تماثيل تذكرهم بأبطالهم القوميين .. ولكنها لم تكن من الفن في شيء .. بل كانت قائمة على المهارة اليدوية
استمر مفهوم النحت مرتبطاً بصناعة التماثيل طوال القرن التاسع عشر ولم يبدأ هذا التحول عن هذا المفهوم إلا في نهاية القرن وبداية القرن العشرين على يدي النحّات الفرنسي أوجست رودان الذي يعتبر رائداً للنحت الحديث . ولعل أهم ماقدمه رودان للنحت هو البحث عن القيمه التعبيرية في طريقة التشكيل نفسها وعدم التقيد بتمثيل الطبيعة ولا الحرص على وحدة الشكل الآدمي في أعماله . ومن أوئل أعمال رودان كان القديس يوحنا المعمدان يلقي مواعظه , ويمثل المحاولة المستميتة لتوصيل مواعظه إلى مستمعيه .. لاتبدو القيمة التعبيرية من حركة يديه ولامن التعبير المرتسم على وجهه فقط , بل من طريقة تشكيل السطح الخشن الذي ينبض بالحيوية , وإن لم يماثل السطح الطبيعي للجسم البشري . لم يهتم رودان بتمثيل الجسم البشري كاملاً بل كثيراً ماكانت أعماله أجزاء ناقصة أو أجزاء منبثقة من كتلة الرخام الخشنة اعتماداً في التعبير على التباين بين خشونة الحجر ونعومة الجزء المنحوت فيه .
لم يعد التمثيل إذن هو الأساس في العمل النحتي بل أصبحت هناك القيم الفنية المتمثلة في علاقات الكتل بعضها ببعض , وفي علاقتها بالفراغ .
تجلى هذا التحول من التمثيل إلى النحت في التمثال الذي صنعه رودان للأديب الفرنسي بلزاك . أرادت جمعية أدبية أن تقيم تمثالاً للشاعر الكبير , وعهد بالأمر إلى رودان . عكف رودان على دراسة تاريخ حياة بطله باستفاضة بالغة , ودراسة أعماله الأدبية الكثيرة , ودراسة عاداته , وملامح وجهه .. وصنع عشرات النماذج المجسمة لمراحل هذه الدراسة .. واستغرق ذلك منه عدة سنوات جاء العمل بعدها في نهاية الأمر أبعد مايكون عن التمثيل المعهود للشخصيات في ذلك الزمان . رفضت الجمعية المعنية تسلم العمل بعد انتهائه وقالت إنها لاترى فيه إلا كتلة لاشكل لها ولاتشبه الشاعر لامن قريب ولامن بعيد .
أثار هذا ضجة كبيرة واحتار النقاد يومئذ في تقويم هذا العمل الجديد الجريء . رأى فيه البعض عملاً رومانسياً وثورة ضد الكلاسيكية .. بعد ذلك أجمع النقاد في النهاية على أن العمل ليس مجرد تمثال بل هو قطعة فنية من الدرجة الأولى توحي لمن يراها بعظمة وأهمية الشاعر الإنساني , وإن لم تحمل ملامحه الشخصية بصورة مباشرة تماماً . ولعل الصور الفوتوغرافية التي التقطها له في ضوء القمر المصور شتايشن تؤكد هذا الانطباع العام . أصبح النحت الحديث منذ ذلك الحين يعتمد على القيم التجريدية أكثر مما يعتمد تمثيل الطبيعة . ولم تعد القطعة النحتية تسمى تمثالاً بل أسموها نحتاً أيضاً .
ولم تظهر كلمة النحت مرتبطة بصناعة التماثيل إلا في المعاجم الحديثة ومن الطريف أن اسم النحّات المشهور (دوناتللو) بكل ماناله من إعجاب واحترام ظهر بعد موته في وثيقة في عصر النهضة مقروناً بصفة "قاطع الأحجار" فلم تكن كلمة نحات كفنان قد تحددت معالمها بعد .. ولا اكتسبت احتراماً يرقى بها عن كلمة حجّار , حتى إن مايكل أنجلو عندما أعرب لوالده عن رغبته في أن يصبح نحّاتاً ثار الوالد , ورفض أن يدع ابنه يصبح (قاطع أحجار) ولم يغير رأيه إلا بتدخل لورنزو العظيم الذي أقنعه بأن هناك فرقاً كبيراً بين فن النحت ومجرد قطع الأحجار كان هذا في الثمانينات من القرن الخامس عشر الميلادي
وقد نجح مايكل أنجلو وبعض معاصريه من النحاتين في توضيح مالفني النحت والتصوير من جذور نظرية تفرق بينهما من جهة وبين مجرد المهارة التي تكمن وراء العمل اليدوي من جهة أخرى .. ولمايكل أنجلو أبيات شعرية كتبها في حوالي 1528م يصف فيها مطرقته القادرة على تشكيل الأحجار الصلبة على شبه الإنسان يقول :
" إن مطرقتي العنيفة لتشكل الأحجار
الصلبة على شبه إنسان
آناً هذا وآناً ذاك
وتستمد حركتها من الراهب
الذي يوجهها
ويراقبها ويمسك بها "
كانت تماثيل مايكل أنجلو على هيئات بشرية تحمل تعبيرات قويّة , معظمها حول موضوعات دينية تثير التعاطف الشديد لدى المشاهد ..
ولفترة طويلة ظل النحاتون يقتفون أثر مايكل أنجلوا بحثاً عن موضوعات من القصص الديني , كما بحثوا عن موضوعات من الأساطير الأغريقية وقد نجح بعضهم في تمثيل الجسم البشري وفي التكوين , وفشل في نقل التعبير .. حتى جاء النحّات الإيطالي جيان لورينزو (1598- 1680) ليخلص النحت من الأثر الباقي لمايكل أنجلو .. فحوّل النحت لموضوعات لم يكن يصلح لتناولها غير التصوير , وذلك بإدخال عناصر كثيرة في العمل الواحد مثل خيوط الأشعة والسحاب .
ومع بداية القرن التاسع عشر الميلادي تحوّل النحت إلى الكلاسيكية الجديدة فعاد الاهتمام بالكتلة الرصينة والتكوين النحتي الذي تخلى عن خصائص التصوير .. وتركز الاهتمام على الإنسان وحده كمحور لهذا الأسلوب .. كان هذا الأسلوب مناسباً تماماً لرغبة المواطنين في إقامة تماثيل تذكرهم بأبطالهم القوميين .. ولكنها لم تكن من الفن في شيء .. بل كانت قائمة على المهارة اليدوية
استمر مفهوم النحت مرتبطاً بصناعة التماثيل طوال القرن التاسع عشر ولم يبدأ هذا التحول عن هذا المفهوم إلا في نهاية القرن وبداية القرن العشرين على يدي النحّات الفرنسي أوجست رودان الذي يعتبر رائداً للنحت الحديث . ولعل أهم ماقدمه رودان للنحت هو البحث عن القيمه التعبيرية في طريقة التشكيل نفسها وعدم التقيد بتمثيل الطبيعة ولا الحرص على وحدة الشكل الآدمي في أعماله . ومن أوئل أعمال رودان كان القديس يوحنا المعمدان يلقي مواعظه , ويمثل المحاولة المستميتة لتوصيل مواعظه إلى مستمعيه .. لاتبدو القيمة التعبيرية من حركة يديه ولامن التعبير المرتسم على وجهه فقط , بل من طريقة تشكيل السطح الخشن الذي ينبض بالحيوية , وإن لم يماثل السطح الطبيعي للجسم البشري . لم يهتم رودان بتمثيل الجسم البشري كاملاً بل كثيراً ماكانت أعماله أجزاء ناقصة أو أجزاء منبثقة من كتلة الرخام الخشنة اعتماداً في التعبير على التباين بين خشونة الحجر ونعومة الجزء المنحوت فيه .
لم يعد التمثيل إذن هو الأساس في العمل النحتي بل أصبحت هناك القيم الفنية المتمثلة في علاقات الكتل بعضها ببعض , وفي علاقتها بالفراغ .
تجلى هذا التحول من التمثيل إلى النحت في التمثال الذي صنعه رودان للأديب الفرنسي بلزاك . أرادت جمعية أدبية أن تقيم تمثالاً للشاعر الكبير , وعهد بالأمر إلى رودان . عكف رودان على دراسة تاريخ حياة بطله باستفاضة بالغة , ودراسة أعماله الأدبية الكثيرة , ودراسة عاداته , وملامح وجهه .. وصنع عشرات النماذج المجسمة لمراحل هذه الدراسة .. واستغرق ذلك منه عدة سنوات جاء العمل بعدها في نهاية الأمر أبعد مايكون عن التمثيل المعهود للشخصيات في ذلك الزمان . رفضت الجمعية المعنية تسلم العمل بعد انتهائه وقالت إنها لاترى فيه إلا كتلة لاشكل لها ولاتشبه الشاعر لامن قريب ولامن بعيد .
أثار هذا ضجة كبيرة واحتار النقاد يومئذ في تقويم هذا العمل الجديد الجريء . رأى فيه البعض عملاً رومانسياً وثورة ضد الكلاسيكية .. بعد ذلك أجمع النقاد في النهاية على أن العمل ليس مجرد تمثال بل هو قطعة فنية من الدرجة الأولى توحي لمن يراها بعظمة وأهمية الشاعر الإنساني , وإن لم تحمل ملامحه الشخصية بصورة مباشرة تماماً . ولعل الصور الفوتوغرافية التي التقطها له في ضوء القمر المصور شتايشن تؤكد هذا الانطباع العام . أصبح النحت الحديث منذ ذلك الحين يعتمد على القيم التجريدية أكثر مما يعتمد تمثيل الطبيعة . ولم تعد القطعة النحتية تسمى تمثالاً بل أسموها نحتاً أيضاً .